الخرطوم: ماجد القوني – تبدو الحياة شبه طبيعية في عدد من أحياء الحاج يوسف، وبعض أحياء محلية شرق النيل بولاية الخرطوم من حيث حركة الناس ومعاملات البيع والشراء.
سوى فترات سكون تغطي المكان مساء كل يوم، إلا من سماع أصوات إطلاق ذخيرة متباعدة والتي تعتبر سمة مميزة منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل العام المنصرم.
مظاهر من المدنية بدأت الانتشار في الطرق، المواطنون في طريقهم المعهود منذ أشهر للتبضع أو العمل في الأسواق، (الارتكازات) على طول الطُرق للتأكد من الهُويات للمواطنين، وحراسة الطُرق ليلاً من المتفلتين.
كثير من التحولات الاجتماعية يعيشها الملايين من سكان السودان بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، أوسع حالة نزوح أصابت المجتمع السوداني، جعلت الآلاف منهم يعيشون في أوضاع لم يعهدوها من قبل، وممارستهم لمهن وأعمال جديدة من أجل البقاء.. استطلعنا عدد من المواطنين حول تداعيات وإفرازات الحرب على واقعهم اليومي.
(1)
يقول عيسى بائع البصل بسوق تسعة (شارع واحد)، والذي أجبرته ظروف الحياة للاتجاه إلى السوق ليعيل أسرته.. إنه قد أُجبر على الخروج من منزله بسبب الهلع الذي أصاب والدته أوان الحرب، ما زاد من معاناتها من مرض ارتفاع ضغط الدم، توجه لمسقط رأسه بتلك الولاية الوسطية حيث يمتلكون (حواشة) يقومون بزراعتها.
ولكن سرعان ما دبت الخلافات بين أفراد الأسرة الكبيرة هناك، ورفضت أسرته الصغيرة البقاء هناك ما اضطرهم للعودة، ففكر في بيع البصل والذي ارتفعت أسعاره لكنها “مستورة” على حد قوله.
مواصلاً: اعتبر عملي في بيع البصل خير من الذِلة وانعدام المَحَّنة بين الإخوة، قالها و هو يغالب دموعه بطرف يد جلابيته.
(2)
(السمحة) أمرأة مُطلقة في بداية الأربعينات من عمرها، تبيع الشاي أمام مكتب الباصات السفرية، كانت تعمل كخبيرة عناية بالبشرة، الحرب قذفت بها هنا في محاولة منها لتربية أبنائها.
زوجها بعد تطليقها اختفى وذهب لمكان غير معلوم تاركاً لها عدداً من الأبناء بعضهم لم يبلغ الحلم بعد، يعملون (كمسنجية) لأصحاب الباصات والحافلات السفرية.
قصص كثيرة تُروى هناك في موقف الترحيلات، وجمع غفير من الناس يومياً يستقلون الباصات والحافلات السفرية هربا داخل وخارج البلاد شمالا وشرقا، والهلع ما زال قائماً، المنطقة تنعم بالخدمات الأساسية، كثير من الذين خرجوا عادوا مرة أخرى بعد رحلة نزوح استمرت لأشهر.
(3)
الآلاف من العائدين للاستراحة من عناء رحلة النزوح إلى شرق النيل، وحيث تضيق فُرص العمل، ليس هناك سوى (سوق 6)، الكل يبحث عن رزقه وقوت يومه، البعض يعمل في المهن غير المنتظمة في الأسواق، وهناك من يعيش من الهبات التي يتفضل بها أهل الخير أو أحد الأقارب بالخارج.
(سوق ستة) والذي يعتبر من الأسواق التاريخية بولاية الخرطوم، أصبح جامعاً لمعظم سكان محليات الخرطوم.. وأغلب المواطنين يقيمون في المنطقة بكثافة سكانية لا تخطئها العين.
ومنطقة الجريف شرق أيضا تعتبر من المناطق المأهولة بالسكان ويعيشون أو يعيش أكثرهم بشكل أدق على “التكية”، وهي وجبة يومية ثابتة قوامها البليلة “العدسية”، إضافة إلى أن الدعم السريع يوفر مُؤن من الحليب عبر بطاقات تحوي عدد أفراد الأسرة.