الخرطوم – تساؤلات عديدة تعبر الآن بخيال الملايين من سكان الخرطوم النازحين في ولايات السودان وعواصم المدن العالمية “كيف تبدو الطرق المؤدية للخرطوم، أزقتها، شوارعها التي ظلت تتباهى لسنوات طويلة بكونها الأكثر صخباً وضجيجاُ؟” نحاول أن نعكس لهم المشهد.
الإجابة.. تبدو الخرطوم بخير وتتعافى، الخرطوم التي خبرّت الثورة تتماثل الآن للشفاء، وتحنُ طرقها لمواكب تتجه للقصر لتقول كلمتها وخياراتها في البقاء في ظل دولة العدالة والحرية والديموقراطية.
(الستين) من الشوارع التي لن تُمحى من ذاكرة ثورة ديسمبر التي ما زالت تحتفظ بمواكبها التي تلت تلك المتوجهة نحو القصر الجمهوري، حيث ما زالت دماء الشهيد أحمد علي ميرغني تهتف بالحرية، هنا في هذا الشارع.
الهتافات ما زالت تدوي هنا وهناك، الجدران تحتفظ بشعاراتها المناوئة للعسكر والإسلاميين، المتاريس ما زالت عالقة في شوارع الإسفلت، وإن اختلف من يقف خلفها، الضجيج لم يعد هو ذاته كما كان في السابق، لكن بعد ثمانية أشهر بدأت الحركة تدّب في شارع أنهكته الحرب.
الملامح لم تعد هي ذاتها قبل الخامس عشر من أبريل، حينما عبرت الطلقة الأولى فضاء العاصمة الخرطوم، على بعد أمتار من شارع (الستين) الذي يعتبر من الشوارع الحيوية التي تعبر العاصمة من الشمال إلى الجنوب.
تتمدد على جانبيه أحياء الطبقة الأرستقراطية، ومقار المنظمات والسفارات، مما جعل منه الشارع الأكثر صخبا وضجيجا والتي تمتد حتى الساعات الأولى من الصباح.
لأشهر خلت ظل الشارع العابر من جنوب أحياء البراري حتى جامعة أفريقيا العالمية جنوبا في حالة من الصمت، دوي المدافع والرصاص أجبر الملايين من السكان على مغادرة منازلهم وقصورهم على جنبات الشارع التي تمتد شرقا حتى النيل الأزرق وغربا حتى تخوم مطار الخرطوم. مع ذلك آثر البعض البقاء محتميا بأسوار منزله، محتمياً بالأمن الذي تنشره قوات الدعم السريع على طول الطريق.
المهندس محمد هاشم من المواطنين الذين دفعت بهم الحرب للنزوح جنوباً نحو ولاية الجزيرة، لكن لم تكن الأمور تمضي كما توقعها فآثر العودة لمسكنه، ويشير إلى عودته قائلا: الوضع الآن اختلف عن شهور الحرب الأولى.
ويضيف “وقتها عشنا حالة من الرعب وطلقات الرصاص تتساقط حولنا، ودوي المدافع يتحدى صمود الجدران، عبرنا لولاية الجزيرة بحثاً عن الأمن، من خلال تواصلي مع بعض الأصدقاء علمت أنه وإلى حد ما عادت الحياة للمنطقة ولشارع الستين.
الكثير من المحال التجارية فتحت أبوابها، وعادت حركة المواصلات عبر الشارع شمالا وجنوبا، وافتتاح عدد من الكافيهات على طول الشارع والأسواق، إضافة لعودة بعض الأسر لمنازلها.
على طول شارع الستين تمتد أرتكازات قوات الدعم السريع، ليتسائل البعض عن جدوى وجودها، وهل من الممكن أن تجعل عبور المواطنين ممكنا..؟ أحد قيادات ارتكازات (الستين) أشار قائلا: شارع الستين من أكثر الشوارع المتحركة داخل محلية الخرطوم الآن وهو المعبر الرئيس لسكان شرق النيل وجنوب الحزام والكلاكلات، والقادمون من محلية بحري والمغادرون للولايات.
وأضاف “تم دعم الطريق بارتكازات للدعم السريع من الشمال والجنوب لحمايته من المتفلتين واللصوص، المنازل التي تعرضت للنهب كان في بداية الحرب”
ويمضي بالقول: الآن الطرق تم تأمينها بالكامل والمشاهد للشارع أنه تم استلام المئات من (الركشات والتكاتك) التي كانت تستخدم للنهب، الحياة الآن تبدو عادية ليست كما كانت في بداية الحرب في أشهرها الأولى، كما شهدنا عودة بعض الأسر لمنازلها.
شارع الستين وإن لم تعد له تمام عافيته، إلا أنه ربما حان الوقت للحديث عن تحولات جديدة تنتظم شارع (الستين) والكثير من شوارع الخرطوم التي ملّت الحرب وتداعياتها، فبعد أكثر من ثمانية أشهر من الحرب المقاهي هنا وهناك، المحلات التجارية والمطاعم وحركة المواصلات تشير إلى أن هنالك ثمة حياة هنا، وأن الحرب في طريقها لأن تضع رحالها، فهل يعبر شارع (الستين).. مثلما عبرت من أمامه المواكب.. أم ماذا..؟.
الخرطوم – مراسل (سودانس بوست) من الميدان