قَتلوا إخوتي أمام أعين الناس ودُفنوا في (حُفرة) بالقطينة على أيدي أفراد الجيش
دم إخوتي في أعناق “البرهان وكباشي والعطا” وقائد معسكر عيسى بشارة
في واقعة شنيعة ومؤسفة، تتعارض مع الأعراف والقوانين الإنسانية، وتجافي قيم وأخلاق المنظومة العسكرية، هُدرت أرواح بريئة منتصف الشهر الماضي على أيدي أفراد القوات المسلحة السودانية، فتظل جرثومة تدمير الجيش السوداني والقوات النظامية منذ عقود من قبل ممارسات الإنقاذ المبادة ماثلة وترمي بظلالها على خاصرة الأجهزة الأمنية جمعا، وتزيل الغطاء عن ما عُرفت به قواتنا وجنودها البواسل من قيم وأخلاق يتحلى بها الجنود قبل ضباط الصف والضباط وجنرالاتهم الكبار، في حادثة القطينة الأسيفة أظهرت مقاطع الفيديو الموثقة التي تحصلت عليها (سودانس بوست)، مقتل الأشقاء (محمد و حسين/عماد حسين محمد) رميًا بالرصاص من قبل عناصر الجيش في الطريق العام بمنطقة القطينة بولاية النيل الأبيض، وسط مشاهدة ومسمع الناس، وهما أبناء رجل خدم المؤسسة العسكرية طيلة 26 عامًا قبل رحيله عن الدنيا فكيف كان سيواجه واقعة اغتيال مؤسسته التي خدمها لأبنائه الأبرياء وبتلك البشاعة.
هكذا تعكس الواقعة مشهد صادم آخر – من انتهاكات حرب 15 أبريل – ومنافي للإنسانية ويوثق بشكل صريح لفظائع الجرائم التي يرتكبها الأفراد في حق مواطنيهم العزل، وتضاف الواقعة لسلسلة انتهاكات الأجهزة النظامية وشبهها، بما فيها جرائم قوات الدعم السريع التي تمثل واقعًا آخرًا لحاله، ترى كم هو قدر الانتهاكات التي لم تُكتشف بعد وما حجمها في المناطق المتأثرة بالنزاع، وأي مشهد أكثر قتامًا تنحدر نحوه البلاد جراء هذه الحرب اللعينة.. استنطقت سودانس بوست الأخ الأكبر غير الشقيق لقتلى القطينة (أخاهم من الوالدتهم) فإلى تفاصيل روايته الصادمة.
حوار: محمد آدم بركة
* بداية نترحم على أرواح فقيديكم، ونسأل الله لهم القبول.. حدثنا عن الواقعة كيف ومتى قتل إخوتك، وعلى أيدي من؟
– إخوتي خرجو بأرجلهم من البيت إلى السوق بغرض شراء بنزين لـ(ركشة)، أوقفوهم عساكر، وبدأوا استجوابهم بطرح الأسئلة (جايين من وين، وإنتو أصلكم شنو) فأجابوا بأنهم مواطنين سودانيين، بادرهم العساكر بالاعتراض وقالو لهم أنتم لستم سودانيين، إنتو حبش، شكلكم ليبين، دعامة، تابعين للدعم السريع، وفي أثناء النقاش قام الأفراد بإيقاف سيارة تاكس وأمروهم بالركوب لاقتيادهم لمعسكر عيسى بشارة بالقطينة وأركبوا معهم فردين، وقبل تحرك السيارة جاءت مجموعة من أربعة أفراد أخرى سائرين أوقفوا السيارة وسألو (من هؤلاء؟)، أجاب زملائهم الأوائل بأن هؤلاء أجانب مرتزقة ليبين قبضنا عليهم يتبعون للدعم السريع، سنأخذهم إلى المعسكر للتحقيق معهم، فاعترضت المجموعة المنضمة إليهم وقررو تصفية إخواني، ودار بينهم النقاش (نصفيهم هنا، ما تودوهم المعسكر، يتقتلو هنا)، من ثم قاموا بتعمير السلاح وأطلقو رصاصة على كل من (محمد وحسين) داخل السيارة وكذلك السائق وأصيب إصابة خفيفة، بعد ذلك أنزلوهم على الأرض وقاموا بتغطية وجه السائق بقناع، وأفرغوا على إخوتي الرصاص في الطريق العام وشاهد الناس ذلك بأعينهم وسمعوا كل ما جرى، وهناك “فيديوهات” موثقة تعكس الطريقة التي قُتلوا بها، بعد قتلهم هللو وكبروا وشهروا بهم وقالوا بأنهم قتلوا مرتزقة أجانب بهذا الأسلوب للأسف.
* ثم ماذا حدث بعد قتلهم؟
– بعد قتلهم قاموا بحفر حُفرة شرق الطريق الإسفلتي وجرى دفنهم فيها، واقتادوا السائق إلى المعسكر وقرروا اغتياله، ولكن لحسن المصادفة تعرف عليه أحد الأفراد هناك وطالبهم بكشف وجهه، قال لهم هذا الشخص معروف بالمنطقة وهو (فلان الفلاني) فأطلقوا سراحه، ونهبوا جزء من نقوده وهاتفه النقال وأعادوا له جزءًا من المبلغ الذي كان بحوذته، وهو شاهد عيان على اغتيال إخوتي من قبل العساكر.
* هل تعرفتم على الجناة بشكل مؤكد ولأي جهة عسكرية ينتمون؟
– الجهة التي ارتكبت جريمة قتل إخوتي هم عساكر يتبعون للجيش السوداني بكل أسف، وموقعهم معروف بمعسكر عيسى بشارة بمنطقة القطينة، وقائد المعسكر يعرف كل التفاصيل وكذلك كل العساكر هناك يعلمون تفاصيل الحادثة التي وقعت صبيحة يوم 14 نوفمبر 2023م عند الساعة العاشرة.
* إخوتك كم تبلغ أعمارهم وترتيبهم في الأسرة، وهل يعملون في مجال محدد؟
– أخي (محمد) هو الأصغر عني من والدتي، عمره 31 سنة، كان مقيم ويعمل بالمملكة العربية السعودية منذ العام 2016م، عاد إلى السودان قبل مقتله بعشرة أيام، أما شقيقه (حسين) 29 سنة كان مقيم بالأردن وعاد كذلك قبل فترة قصيرة من مقتله، رجعوا إلى أهلهم بعد اندلاع الحرب، فالاثنين بسطاء يعملون في مجالات العمل الحر في الإغتراب، لا صلة لهم بأي انتماء أو وظيفة في السودان، حالهم حال أي إنسان عاد إلى أهله بعد الحرب.
* كيف تلقيتهم الفاجعة وما هو تصرف الأسرة حينها؟
– بعد دفنهم وصَلَنا الخبر، فتجمع الأهالي والمعارف وذهبوا إلى قاعد المعسكر فرفض مقابلتهم، وقابلهم ضابط برتبة ملازم، قام بالمكاشفة والتحري مع جنوده وأنكروا الواقعة في بداية الأمر، فقال لهم “إنتو قتلتوهم ما عارفين دفنتوهم وين؟”، بعدها استجاب أحدهم، وقام الملازم وأفراده من الجيش باصحطاب الشرطة والمباحث بالذهاب لموقع (الحُفرة) وأخرجوا الجثامين وذهبوا بها إلى المستشفى بالقطينة لتسليها، ومن ثم سُلمت الجثامين وتمت مواراتهم الثرى والحمد لله.
* موطن إقامة الأسرة بالقطينة أم الحرب أجبرتهم للنزوح وهل قدمتم بلاغ جنائي لدى الشرطة؟
– نعم، قُدم بلاغ لدى الشرطة بالقطينة و لكن مع انقطاع شبكة الاتصال لم أتعرف على المستجدات، موطننا الأصل نحن من سكان الخرطوم بجبرة، وغادرت الأسرة إلى القطينة بسبب الحرب واستقروا مع الأقارب والأهل هناك، تتكون الأسرة من خمسة أبناء وثلاثة بنات، والد إخوتي عماد حسين محمد خدم لصالح الجيش برتة مساعد 26 عام بالقوات البحرية اللواء 91 وكذلك جدهم ضابط خدم في القوات البحرية.
* رسالة الأسرة إلى من توجهونها؟
– رسالتنا نوجهها لقيادة الجيش إلى (البرهان، كباشي، ياسر العطا) وقائد معسكر عيسى بشارة، نقول لهم دم إخوانا في رقابكم، وسيسألكم الله يوم الحق الأعظم، ونطالب بتقديم الذين ارتكبوا هذه الجريمة بقتلهم مواطنين عزل أبرياء إلى محاكمة عادلة، إخواني لا علاقة لهم بأي انتماء لا بالدعم السريع أو أي جهة ونشهد الله على ذلك، ولا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل)، ورسالة إليكم بأن تعكسوا هذه الجريمة الشنيعة للرأي العام.
