تحقيق: ماجد القوني
* المحامي المعز حضرة: المادة 136 من القانون الدولي الإنساني، تحظر تجنيد واستخدام الأطفال في القتال
* (اليونسيف): آلاف الأطفال يتمّ تجنيدهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم
* قائد ميداني بالدعم السريع: تجنيد الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، ولا نقوم بتجنيد الأطفال
خيارات للبقاء
حرب الخامس عشر من أبريل، أحدث الكثير من التحولات في بنية المجتمع بسبب توقف عجلة الدولة الاقتصادية، وأصاب الخلل الكثير من الأنظمة والخُطط الاقتصادية لآلاف الأسر، الحرب قذفت بالكثير من الأطفال داخل الأسواق للبحث عن مصدر رزق لدعم أسرهم، مُجربين كل الخيارات التي تُتاح لهم، المناطق خارج سيطرة الدعم السريع كان لأطفالها خيارات مختلفة، من خلال انخراطهم في معسكرات تدريب على السلاح، بدعاوى حماية أسرهم من غزو قوات الدعم السريع، فيما عُرف بـ(المقاومة الشعبية)، خطوات أثارت جدلاً كبيراً في ظل انسحابات الجيش من المدن، والدعوة التي أطلقها القيادي بالحركة الإسلامية علي كرتي لاستنفار الشباب لمواجهة قوات الدعم السريع، حملة الاستنفار لم تستثنى حتى الأطفال بالرغم من حملات تجريم تجنيدهم واقحامهم في القتال، اتهامات تذهب إلى أن طرفي النزاع في السودان تضم قواتهما أطفال دون سن الثامنة عشر.
حظر تجنيد الأطفال
ذهب المحامي المعز حضرة في تصريحات صُحفية إلى أن “المادة 136 من القانون الدولي الإنساني، وعدد من المواد والقواعد الواردة في المعاهدات والبروتوكولات الدولية المشابهة تحظر تجنيد واستخدام الأطفال في القتال”.
وتابع حضرة في حديثه أن المعاهدات تعتبر هذا المسلك “جريمة حرب تستدعي المحاسبة من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وبناءاً على ذلك تضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال بواسطة الأمين العام في قائمة العار التي يصدرها سنوياً”.
الباحث الاجتماعي فيصل محمد قال: تشير (اليونسيف) إلى آلاف الأطفال الذين يتمّ تجنيدهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، على أنهم “الجنود الأطفال”، يعاني هؤلاء الأطفال من أشكال واسعة النطاق من الاستغلال وسوء المعاملة، بما في ذلك التعرض للعنف الجنسي.
تستخدم الأطراف المتحاربة الأطفال ليس كمقاتلين فحسب، بل ككشافة وطُهاة وحمّالين وحرّاس وسُعاة، بل وأكثر، المصطلح الأكثر دقّة هو: “الأطفال المرتبطون بالقوات المسلحة والجماعات المسلحة”، يجب، في المقام الأول، اعتبار هؤلاء الأطفال ضحايا انتهاكات جسيمة لحقوق الطفل.
ويمضي في حديثه بالقول: يصبح الأطفال جزءًا من قوة أو جماعة مسلحة لأسباب مختلفة، فبعضهم يتعرّض للاختطاف أو التهديد أو الإكراه من قِبَل جهات مسلحة.
ويدفع الفقر بآخرين واضطرارهم لجلب الدخل إلى الأسرة، وهناك من يرتبط بهذه الجهات من أجل البقاء أو لحماية مجتمعاتهم المحليّة، لكن بغضّ النظر عن أسباب تورطهم، فإن تجنيد الأطفال واستخدامهم من قِبَل قوات مسلحة هو انتهاك خطير لحقوق الطفل وللقانون الإنساني الدولي.
اتهامات
في سؤالنا المطرروح على أحد طرفي النزاع “هل تقوم الدعم السريع بتجنيد الأطفال واقحامهم في الحرب، باعتبارها أحد طرفي النزاع في الخرطوم؟”.. قائد ميداني فضلّ حجب أسمه أشار قائلاً: تجنيد الأطفال والدفع بهم لمناطق القتال مرفوض بنص كل القوانين الدولية، ونحن نعرف شراسة الحرب ولا يمكن اقحام الأطفال فيها.
وأضاف: تجنيد الأطفال للحرب من الأعمال غير الإنسانية التي تميّزت بها الجماعات الإسلامية في كل العالم، والحركة الإسلامية في السودان قدمت الكثير من النماذج لتجنيد الأطفال كما يحدث الآن من تجنيد واقحامهم في الحرب من خلال استنفار مجتمعات وأطفال لا علاقة لهم بالحرب في الوقت الذي يتواجد فيه أبنائهم في الدول الأوروبية، ونمتلك كل الأدلة حول تورط الجيش السوداني في هذه الجريمة.
وتابع: القول بأن قوات الدعم السريع تقوم بتجنيد الأطفال، ليس هناك ما يدعمه في الواقع، بعض الأطفال يحاولون التشبّه بالقوات الموجودة في مناطقهم من دعم سريع ولبس (الكدمول) وصناعة أسلحة من الخشب، أو بعضهم يرافق والده أو أخيه الأكبر في (الارتكازت)، وهؤلاء ليسوا مسجلين في القوات بصورة رسمية ولا نعتبرهم جزء من القوة، أو يتم ادخالهم في المعارك التي بيننا والجيش، والتي نعتبرها جريمة يعاقب عليه القانون الدولي لحماية الأطفال في مناطق النزاعات.
قضية رأي عام
جُهود دولية تقوم بها منظمات المجتمع المدني في العالم، لوقف انتهاك حقوق الأطفال، المحامية ناهد سيف الدين ذهبت لضرورة تبني قضايا الأطفال وإثارة الرأي العام حول اقحامهم في الحرب، قبل أيام أصدرت الخارجية السويسرية عددًا من التقارير بشأن استخدام الأطفال في الحرب، مؤكدين أن قضية الأطفال المجندين تظل “خطيرة”، رغم الجهود المبذولة من طرف المجموعة الدولية على مدى السنوات القليلة الماضية من أجل العثور على حلول.

وقال السفير (أنطون تالمان)، قال إنه ” تم تسجيل تقدم في مجال نزع الأسلحة وتسريح وإعادة إدماج الأطفال، الذين يتم استغلالهم في نزاعات مسلحة”، لكن “الواقع المرير على الأرض في العديد من مناطق النزاع”، يدفع إلى مزيد من الانتباه من طرف الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني من أجل وضع حدٍّ نهائي لما أسماها “الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان”. ونتابع الآن القضايا التي تشمل “الوقاية من التجنيد” و”التسريح وإعادة الاندماج” و”الاحتياجات الخاصة للفتيات اللائي يجدن أنفسهن محشورات في نزاع مسلح”.
حماية المدنيين
وحول “إلى أي مدى يمكن أن تُؤثر القوانين في حماية الأطفال..؟” نجد القانون الإنساني الدولي يُلزم القوات المسلحة والجماعات المسلحة باتخاذ تدابير لحماية المدنيين، ومن ضمنهم الأطفال، وحمايتهم من عمليات القتل والتشويه والاختطاف والعنف الجنسي، والتجنيد والاستخدام من قِبَل القوات المسلحة والجماعات المسلحة، إلى الهجمات على المدارس والمستشفيات، فضلاً عن المرافق الأساسية للمياه.
ومن أجل رصد هذه الهجمات بشكل أفضل ومنعها وإنهائها، حدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأدان ستة انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في أوقات الحرب، وهي: قتل الأطفال وتشويههم؛ تجنيد الأطفال أو استخدامهم ضمن القوات المسلحة والجماعات المسلحة؛ شنّ الهجمات على المدارس أو المستشفيات، الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي الجسيم؛ اختطاف الأطفال ومنع الأطفال من الحصول على المساعدات الإنسانية.
احصائيات
على الصعيد العالمي، تمّ التحقق من أنه قد تمّ بين عاميّ 2005 و2020 تجنيد أكثر من 93 ألف طفل واستخدامهم من قِبَل أطراف النزاع، على الرغم من أنه يُعتقد أنّ العدد الفعلي لهذه الحالات هو أعلى من ذلك بكثير.
تحققت الأمم المتحدة في عام 2020 من وقوع ما وصل عدده الإجماليّ إلى 26.425 انتهاكًا ضد الأطفال الموجودين في حالات نزاع في مختلف أنحاء المعمورة، أي ما يعادل 72 انتهاكًا يحدث كلّ يوم أو ثلاثة انتهاكات تحدث كلّ ساعة.
وهذا يعني أيضًا حلول سبع سنوات على التوالي حدث فيها ما لا تقل حصيلته عن 20.000 انتهاك، تمّ التحقق من وقوعهم. هذه الحالات ليست سوى الحالات التي يمكن التحقق منها من خلال آلية الرصد والإبلاغ التي تقودها الأمم المتحدة، وهي آلية أنشئت في عام 2005 لتوثيق الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في مناطق النزاع بشكل منهجي، ولا شكّ أن الأرقام الحقيقية هي أعلى من ذلك بكثير.
مُعسكرات المُستنفرين
المئات من الأطفال في معسكرات (المُستنفرين) بولايات السودان الشمالية والشرقية، ومن المتوقع دخولهم في حرب قادمة، أجسادهم البضة لا تقوى على حمل السلاح، تدريبهم تنقصه الخبرة والدراية، مما يجعلهم عُرضة للقتل في ساحة المعركة، هذا يؤكده عدد من قيادات الدعم السريع الميدانيين حول القبض على عدد من الأطفال استنفرهم الجيش في ولاية الجزيرة وولاية النيل الأبيض، مؤكداين أنهم بعثوا برسائل للمُستنفرين بأن الحرب لا تخصهم ويجب عدم التورّط فيها.
هذا وطرقت (سودانس بوست) عبر محرريها أبواب قادة القوات المسلحة السودانية (بالاتصال المباشر ومراسلات الواتس) من بينهم الناطق الرسمي، للحصول على توضيحات وأجوبة حول تجنيد الأطفال من قبل طرفي النزاع خاصة في صفوف الجيش، فذهب المساعي دون جدوى.
هاشتاق (#لا- لتجنيد-الأطفال-يا-برهان) وجد طريقه نحو كثير من المنصات والمواقع الإلكترونية، ومن المتوقع تحرك منظمات دولية لإيقاف انتهاك حقوق الأطفال في مناطق النزاع، تُرى هل تتحقق رؤية الأنظمة القانونية؟ أم ستُهد جُدر المستقبل..؟.