تقرير: مآب الميرغني
شهادة توثيق
“أنا وكاميرتي شاهدان على الحرب التي حدثت في سنار، يمكن أنا وهي لن نكون حضور في يوم ما، ولكن هذه الصور باقية وموثقة في ذاكرة المواطن، وتوضح إلى أي مدى عاش مواطن سنار حياة غير كريمة خاصة النساء والفتيات، عادوا إلى جيل الثلاثينيات والأربعينيات”، هذا ما ورد على لسان الناشطة المجتمعية، التي عملت جاهدة على توثيق أحداث سنار عبر عدستها، وعلى الرغم من المخاطر قررت المصورة تسنيم أن تحمل كاميرتها وتتجول في سنار لتنقل لنا الصورة كما هي، ولقد عبرت صورة لها عن «المحراكة»، الكثير مما يشعر به الناس ومعاناة النساء التي أثرت على الجميع وأصبحت المرأة السنارية بشكل يومي في مواجهة صعبة مع الحياة.
وتعتبر «المحراكة» هي حجرين من الصخرة، وهي آلة يدوية قديمة تستخدم لطحن الحبوب قبل ظهور طواحين الغلال، التي حلت محل المحراكة ريثما تلاشت هذه الآلة.
واستطاعت الصورة أن تقدم المعنى من خلال التفاصيل، كيف استطاعت المرأة أن تصمد أمام تداعيات الحرب، وكيف تبدو الحياة البدائية وأن تسير بلا توقف رغم آنف الحرب.
أنفاس مرهقة:
وفي صورة أخرى، توضح مواجهة المواطنين خطر الموت عطشًا لانقطاع مياه الشرب لأكثر من 10 أشهر، وكيف أنهم اضطروا للبحث عن بدائل أخرى مثل انتشال الماء من الآبار الجوفية، هذا يرجع بسبب الاقتتال الدائر بين الجيش والدعم السريع.
وتقول الناشطة المجتمعية: ذهبت مع قريبتي منذ الصباح الباكر إلى «الكرجاكة» وهي عبارة عن يد حديدية لضخ المياه باليدين، والرجوع إلى المنزل بحمل المياه، وتتوالى الأنفاس إرهاقا.
وعن عمليات طهي الطعام، قالت: اندثرت كل الأدوات الحديثة لطبخ الطعام من غاز وأدوات كهربائية، وأصبحت النساء والفتيات يعتمدن بشكل أساسي باستخدام الحطب و (القصب أ القش)، وتابعت: تطبخ المرأة والدموع في عينها من دخان الحطب وشريط ذكرياتها يذهب إلى ما قبل الحرب من راحة البال والجسد وهي في حالة السرحان، نظرت إلى الأطفال يبكون جوعاً، تأخرت الوجبة وتوالت الأمراض بعدها وأصبحت هذه الأيام القاسية هاجس بانقطاع التيار الكهربائي والمياه الذي دام حوالي 5 أشهر.

طرق تقليدية أخرى:
تغيرت الأمور ظهرا على عقب في أرجاء السودان، وفي ولاية سنار لجأت ربات المنازل بعد حرب 15 أبريل إلى طرق بديلة وتقليدية، إذ تعود إلى عصور قديمة مضت. فبعد حرب أبريل، وقع العناء الأكبر على عاتق النساء اللاتي واجهن نزوح ولجوء وعنف واغتصاب وفقر وبطالة، وأخريات واجهن مصيرهن في محاولة للتكيف مع حياة الحرب التي أصبحت حياتهن بدائية تقليدية بديلة.
ظهرت بدائل للمواصلات وصفها مواطنون بأنها غير آدمية وهي «الكارو والتكتك»، والتي أصبح في ولاية سنار الاعتماد الأساسي عليها، بجانب غياب الكهرباء وانعدام الماء و غاز الطهي، فنجد معاناة المرأة تضاعفت مع الحرب، وباتت تعيش في رحلة بحث عن بدائل، حيث استبدلت المرأة غاز الطهي بالحطب و تحصل عليه من الغابات، أما حفظ الأطعمة بوضع إناء ماء ثم عليه طناجر الطعام أو تسخين الأكل كل فترة زمنية حتى لا يتعرض للتلف، ولكن المعاناة الأكبر التي تواجها هي الحصول على المياه، فتكابد رحلة مشقة يومية للحصول على الماء بعدما كانت تذهب كيلومترات لجلب الماء من الآبار أصبحت تعتمد رسميًا على مياه أمطار الخريف.
أما الخبز فظهرت أفران الطين القديمة باستخدام الحطب والبعض منها استطاع أن يواصل عمله عن طريق تشغيل «البابور» وهي طريقة تقليدية أيضًا لتوليد الكهرباء، ذلك ما سهل على المواطنين أن يعتمدوا عليه في عملية شحن الهواتف بطريقة يومية حتى يستطيعوا مواصلة حياتهم في مسألة التحاويل المالية وكذلك اطمئنان البعض على أسرهم.

اعتقالات ومضايقات:
رغم ما قدمته الناشطة تسنيم من خدمات جليلة للمنطقة، إلا أنها غادرت سنار في الأيام الماضية، وبحسب حديثها أنها لم تستطع البقاء في سنار أكثر، إذ ترى أنها رغم تحرير أجزاء واسعة بعد سيطرة قوات الدعم السريع في سنار لم تستطع البقاء فيها، واجهت ارتفاع في السلع الاستهلاكية وشح في العقاقير الطبية بجانب الضغوطات الأمنية المشددة خاصة مع طبيعة العمل، موضحة: إن القرار لم يكن سهل والبقاء أيضًا مستحيل، لافتة بقولها: عاد التيار الكهربائي ولكنه لم يشهد استقرار وكذلك الانترنت والاتصال، لا سيما شح السيولة النقدية يفاقم المعاناة في سنار والحياة تبدو شبه مستحيلة.
قصة خروج تسنيم ليست الأولى، بجانب الحصار الذي فرضته الحرب على ملايين السودانيين في الخرطوم والولايات الأخرى، والحياة غير الآدمية، حيث يدفع الناشطون في العمل العام ثمن باهظ بالتهديد والاعتقال بواسطة طرفي النزاع.
ولا سيما أن السلطات بولاية سنار، نفذت في الفترة السابقة حملة اعتقالات واسعة منها سنار المدينة، سنجة، الدندر، طالت أعضاء لجان المقاومة والناشطين في العون الإنساني والسياسيين، حملة التضيق التي شنتها سواء من الجيش والدعم السريع تجاه أنشطة القوى المدنية التي تنشط في كشف وتوثيق الانتهاكات من أجل الضغوط لإنهاء الحرب بالطرق السليمة قابلها سلطة تكميم الأفواه وقمع نقل الحقيقة كما هي، مما يجعل خيار الخروج هو الأنسب.