وتأخذ المعاناة أشكالاً مختلفة في عدد من معسكرات الفارين من ويلات الصراع المسلح، منها الظروف المناخية وعدم توافر الغذاء والدواء لكثير من الأسر، خاصة الأطفال وكبار السن، وغياب مساعدات المنظمات الدولية.
ويمثل السودان في الوقت الحالي أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ تجاوزت أرقام النزوح واللجوء كل توقعات المنظمات ووكالات الأمم المتحدة، ونزح 12 مليون داخل البلاد، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار.
في السياق، يقول مصطفى أبن عوف – متطوع بعطبرة، لـ «سودانس بوست»، إن النازحين في المدينة ينقسمون إلى قسمين، منهم مستضافين من الأسر وعددهم (65000) أسرة، وآخرين يتوزعون على مراكز الإيواء ويبلغ عددهم (825)، الغالبية يستظلون بالخيم والرواكيب وآخرين لا مأوى لهم.
وأضاف أن “النازحين في حي النهضة يعانون من ضعف الرعاية الصحية بسبب عدم وجود عيادات ثابتة وتوفر علاجات لأصحاب الأمراض المزمنة، بجانب نقص كبير في عدد دورات المياه، وانعدام الخدمات الكهرباء، فضلاً عن صعوبة في الحصول على مياه شرب نقية.
مشيراً إلى “عدم وجود أسواق في المنطقة، وغياب الدعم المستمر للنازحين، وهناك بعض المنظمات والشركات تعمل على توزيع بعض المواد الغذائية في فترات متقطعة، مثل شارع الحوادث والمطبخ المتجول لمبادرة شباب عطبرة ومصنع اسمنت الشمال، لكنها غير كافية.
بجانب مؤسسة شارع الحوداث والقوات المسلحة التي تعمل على توفير المياه عبر التناكر ولكنها لا تسد كل الحوجة، بالإضافة للمجهودات الفردية من الخيرين، وكل هذه الجهود غير مستمرة في ظل استمرار الحوجات والنقص الغذائي والدوائي.
حلول مقترحة
وكشف أبن عوف عن مجهودات تقوم بها منظمة سقيا من أجل حفر بئر لسد حوجة المياه، وتعمل المحلية على إيجاد حلول عاجلة لمشكلات دورات المياه.
ولفت إلى أن “مركز نهر عطبرة وهو عبارة عن (مدرسة) تم تخصيصه لذوي الاحتياجات الخاصة، ويبلغ عددهم (183) أسرة، وأن أكبر المشكلات التي تواجه النازحين عدم توفر دورات مياه صالحة للإستخدام”.
بجانب تصدع بعض الفصول التي تأويهم، وهناك دور إيواء أخرى مثل المدرسة الأميرية وزاوية البرهانية ومدرسة الشروق ومجمع النيل ودور المؤمنات واتحاد المعاقين وغيرها من المراكز التي تتفاوت المعاناة فيها.
وتابع “دور الحكومة غير ملموس بحسب النازحين، وفيما يخص المنظمات العالمية والمحلية فإنها لم تقدم المساعدات وتعمل بالصورة المطلوبة، وحتى الخدمات التي تقدم عبرها على قلتها لم تكن مستمرة، وبدورنا كمتطوعين ننتظر منها مجهود أكبر لأن الوافدين بمدينة عطبرة يعانون من نقص في كل الاحتياجات، صحة وتعليم ومأوى اضافة للمواد غذائية”.
داعياً المنظمات المحلية والعالمية بالوقف على أوضاع النازحين وتقيم الوضع ميدانياً حتى تقوم بدورها الإنساني لمنع تفاقم الوضع.
أمراض مزمنة
بدوره، قال المهندس أشرف، وهو نازح بمدينة عطبرة، “وصلنا بعد معاناة وكنا نأمل في إيجاد مكان يأوينا، ولكن للأسف نحن الآن نقيم بأحد الفصول القرآنية في إحدى المساجد، وأعاني من مرض القلب ولم أتحصل على الرعاية الصحية اللازمة ولا العلاج الكافي ولا الغذاء، فضلاً عن تردي الأوضاع المعيشية، وليس لدينا أموال حتى نستطيع الصرف على أسرنا”.
وبشأن عمل التكايا، قال أشرف لـ«سودانس بوست»، تقدم وجبة واحدة فقط خلال اليوم، وبدورنا نلفت انتباه المسؤولين والمنظمات للوقوف بجانب النازحين ومد يد العون لهم حتى لا تتضاعف مأساتهم.
فلاش باك
رانيا عبدالمجيد أم لبنت واحدة لم تكمل العامين من عمرها، تحكي معاناتها مع النزوح «سودانس بوست»، قائلة “حضرت إلى مدينة عطبرة منذ أربعة أشهر وسبق ذلك نزوح داخل الخرطوم لمنطقة الريف الشمالي لأم درمان بعد اندلاع الحرب”
كنت أسكن الشجرة الحماداب المتاخمة لقيادة المدرعات، الأيام الأولى كانت صعبة جدا وكنا لا نستطيع الخروج ونسمع صوت إطلاق نار كثيف ضاعف من حالة الرعب التي تتملكنا، وبعد سقوط دانة في المنزل قررنا الخروج بشكل أولي إلى أمدرمان.
دمج وتفريغ
تقيم رانيا بالمدرسة الجنوبية منذ شهرين، تقول كانت أعدادنا قليلة وكل أسرة تقيم في فصل لوحدها ولكن مع إعلان قرار بداية العام الدراسي اقترح علينا المدير إفراغ الفصول والتوجه لأخرى خلف المدرسة يتم فيها دمج الأسر، وتم دمجنا كل ثلاثة أسر في فصل واحد، والحمدلله الأمور ماشة وفي كل الحالات ننتظر الأوضاع تهدأ تماما لنعود إلى الخرطوم.
لوازم كافية
وعن الإغاثة وتكلفة المعيشة، تقول رانيا ان الخيرين وبعض المنظمات تدعمهم بشكل أسبوعي وتوفر لهم أغلب الاحتياجات.
من جهته قال الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي عبدالوهاب جمعة، إن أكبر ثمن دفعه ويدفعه النازحون في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، هو فقد الممتلكات والمدخرات، والنزوح من منطقة لأخرى يجعلهم يفقدون أهم جانب وهو مصدر الدخل الذي يجعلهم على قيد الحياة.
مشيرا إلى الجانب الاجتماعي والذي لا ينفك عن الاقتصادي، لأن النازح تحدث له حالة اختلاع من بيئته التي نشأ فيها إلى بيئة جديدة ومختلفة، يحدث له تشويش يجعله يفقد القدرة على تحديد هدفه، ويجعله غير قادر على النهوض و العمل من جديد، ويظل عرضة لتقلبات الوضع النفسي وتمكن اليأس منه.
من جهتها قالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، الثلاثاء، إن أكثر من 14 مليون شخص نزحوا من منازلهم في السودان، إما داخل البلاد أو إلى خارج حدودها، بينهم نحو 200 ألف شخص نزحوا منذ الشهر الماضي.
وعلى صعيد متصل أوضحت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة أن (11) مليون شخص هم نازحون في داخل البلاد، و3.1 مليون شخص عبروا الحدود، لذا فإن عدد النازحين الآن يقدر بأكثر من 14 مليون شخص.
بورتسودان – برعي الأبنوسي