أهمية اليوم
يمثل اليوم فرصة لتقييم حرية الصحافة في العالم، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء أداء واجبهم، والدفاع عن وسائل الإعلام من الهجمات على استقلالها، كما يسلط الضوء على الانتهاكات التي تُمارس ضد الصحفيين، من اعتقالات تعسفية وتهديدات وعنف جسدي.
كما يهدف اليوم العالمي لحرية الصحافة على التأكيد على حق الصحفيين في العمل بحرية دون خوف، وتعزيز شفافية الحكومات واحترام الحق في الوصول إلى المعلومات، والتوعية بدور الصحافة في تحقيق التنمية المستدامة والديمقراطية.
حرية التعبير
غالبًا ما يكون لكل عام شعار خاص، على سبيل المثال، كان شعار 2024: “حرية التعبير كمحرك لحقوق الإنسان الأخرى”، وهو يركّز على دور الصحافة في تمكين المجتمعات من الوصول إلى المعلومات ومساءلة السلطات.
حرية الصحافة
تشير تقارير منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” إلى أن حرية الصحافة تواجه تحديات متزايدة في العديد من الدول، منها الرقابة الحكومية، التضييق على الصحفيين المستقلين، ونشر المعلومات المضللة.
ووفقًا لتصنيف “مراسلون بلا حدود” لعام 2024، شهدت حرية الصحافة تراجعًا ملحوظًا في العديد من الدول، حيث واجه الصحفيون تحديات متزايدة تتراوح بين القمع السياسي والرقابة والعنف.
قتل واعتقال
يقول الصحفي محمد أمين، حول اليوم العالمي لحرية الصحافة وما يواجهه الصحفيين السودانيين في الحرب بين الجيش والدعم السريع يصفها بالعشوائية و الفوضوية وأخطرها على الصحفيين السودانيين، منهم من تعرضوا للقتل و الاعتقال و الاستهداف المباشر لهم.
أشار أمين على تعرض المؤسسات الإعلامية مباشرة من طرفي الحرب وقد شمل كل وسائل الإعلام المحلية والدولية، بجانب انقطاع الكهرباء والاتصالات والإنترنت وصعوبة التنقل.
وأضاف أن كلما اتسعت رقعة الحرب كلما ضاقت حرية الصحافة والإعلام، وتأثر الصحفيين والإعلاميين، كما تأثر معظم الصحفيين السودانيين وسط دعاية الحرب وعدم نقل الواقع على الأرض بواسطة أطراف الحرب.
صحفيين بلا عمل
كما أضاف أمين لـ(سودانس بوست) تحولت معظم المنصات الإعلامية إلى منصات رقمية، وأشار إلى إن كثير من الصحفيين الآن أصبحوا بلا عمل، وهناك آخرين سافروا إلى دول الجوار وآخرين لا نزحوا لمناطق داخل أيضاً، ولم يجدوا الدعم الكافي لهم رغم وجود دعم ضعيف بواسطة نقابة الصحفيين مع الجهات المعنية من منظمات حقوقية ودولية برغم الإمكانيات المتاحة لها.
قيود في السودان
قال أمين نحن داخلين على العام الثالث من الحرب وهناك قيود على حرية الصحافة، (لا توجد حرية متاحة كاملة) للصحفيين لنقل الحقيقة وكتابة آراءهم.
ذكر أمين بسبب غياب الصحافة ظهرت انتشار خطاب الكراهية والعنصرية بسبب انهيار المؤسسات الإعلامية، لو كانت الصحافة موجودة وتمارس عملها لتخفيض خطاب الكراهية لكان لها تأثير كبير في تغيير الرأي العام المحلي.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
بحسب تصنيف “مراسلون بلا حدود” لعام 2024، سجلت الكثير من الكثير من الدول تراجعًا في حرية الصحافة خلال عام 2024م، وفق تقرير مراسلون بلا حدود، منها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث احتلت فلسطين (المرتبة 157)، ويعد التراجع بسبب الانتهاكات الجسيمة ضد الصحفيين، حيث قُتل أكثر من 100 صحفي فلسطيني منذ أكتوبر 2023 خلال الحرب على غزة، مما جعلها من أخطر المناطق على الصحفيين.
أما سوريا، فقد تراجعت 8 مراتب في المؤشر السياسي، مع استمرار قمع الصحافة وغياب القانون، مما أدى إلى احتجاز أو فقدان عدد كبير من الصحفيين.
بينما جاءت الإمارات في (المرتبة 160): بالتراجع 15 مرتبة بسبب زيادة الانتهاكات ضد الصحفيين، بما في ذلك الاعتقالات والتضييق على حرية التعبير.
وصنفت جمهورية مصر العربية ضمن الدول ذات الوضع “الخطير للغاية” لحرية الصحافة، مع استمرار القيود على الإعلام واعتقال الصحفيين.
آسيا
وفي آسيا نجد أفغانستان (المرتبة 178): تراجعت 26 مرتبة بسبب القمع المستمر للصحفيين منذ عودة طالبان إلى السلطة، بينما الصين احتلت (المرتبة 172): وتُعتبر أكبر سجن للصحفيين في العالم، مع فرض قيود صارمة على القنوات الإخبارية والرقابة الشديدة.
فيتنام بلغت (المرتبة 174)، حيث تُمارس السلطات رقابة مشددة على الإعلام، مع سجن الصحفيين الذين يعبرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي الهند (المرتبة 159): تفاقمت حملات التضليل والتضييق على الصحفيين، مع فرض قيود على دخول الصحفيين الأجانب.
بينما باكستان (المرتبة 152)، وقد كثفت أجهزة المخابرات الرقابة على وسائل الإعلام، مع تقارير عن اغتيال صحفيين في الخارج. كما أن بنغلاديش تحل في (المرتبة 165)، والتي شهدت موجة عنف ضد الصحفيين، مع إلغاء اعتماد 167 صحفيًا، مما يُعد تهديدًا لحرية الصحافة.
أوروبا الشرقية
نجد روسيا تراجعت إلى (المرتبة 162)، بسبب سن قوانين جديدة لتنظيم الإنترنت، تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة والحد من الوصول إلى المعلومات الموثوقة.
وتأتي بيلاروسيا (المرتبة 167)، والتي تواجه الصحافة فيها قمعًا شديدًا، مع اعتقال عدد كبير من الصحفيين وتقييد حرية التعبير.
احتلت تركمانستان (المرتبة 175)، وتُعتبر من بين الدول التي تشهد أسوأ أوضاع لحرية الصحافة، مع سيطرة الدولة الكاملة على الإعلام.
أما جورجيا (المرتبة 103): تراجعت 26 مرتبة بسبب تضييق الحريات الإعلامية ومحاولات الحكومة للتقرب من موسكو.
أفريقيا
تحتل النيجر (المرتبة 80)، بوركينا فاسو (المرتبة 86)، مالي (المرتبة 114): شهدت هذه الدول تدهورًا في الوضع الأمني، مع هيمنة العسكريين على السلطة، مما أثر سلبًا على حرية الصحافة.
الأمريكيين
تراجعت الولايات المتحدة 10 مراتب بسبب تصاعد الاستقطاب السياسي والضغوط على وسائل الإعلام، كما تعتبر المكسيك من أخطر الدول على سلامة الصحفيين، مع مقتل 37 صحفيًا منذ عام 2019.
فيما شهدت الأرجنتين، تراجعًا في حرية الصحافة بسبب وصول حكومات معادية للتعددية الإعلامية.
تعتيم ورقابة
تقول الصحيفة منال عبدالله لـ(سودانس بوست) في كل يوم جديد يتأكد للعالم الدور المتعاظم للصحافة ولحريتها في تدفق المعلومات ونشرها عبر الوسائط، ومنذ التحاقي بالعمل في مجال الصحافة نعاني من التعتيم، وكانت المعضلة الأساسية في الحصول على المعلومة بسبب الرقابة القبلية التي كانت تمارس خلال فترة حكومة الإنقاذ وتضيق الخناق على العاملين بهذا المجال بالاعتقال والاستدعاءات من قبل الأجهزة الأمنية.
وتضيف: وعلى الرغم من سقوط الإنقاذ الا أن الصحافة في السودان في تقديري لم تتعافى بعد، بل طالها التشرذم والانقسام وتخندق العاملين بها في معسكرات غلبت عليها الصبغة السياسية.
غياب الشفافية
وتمضي منال بقولها: الأمر المؤسف يمر علينا احتفال العالم بيوم حرية الصحافة ونحتفي به في ظل الظروف القاتمة لأننا لا ننفصل عنه، وفي رأيي أن الصحافة في السودان لم تحافظ على حريتها لأن (حرية الصحافة) تكمن في استقلاليها.
أشارت إلى الصعوبة في نقل المعلومات بشفافية وحيادية تامة، مبينة وجود تمترس وراء الكيانات أو الأحزاب هو ما أثبتت الحرب في السودان عكسه تماماً.
واقع مرير
وتحكي الصحيفة والناشطة الحقوقية السودانية ناهد إدريس بقولها: في اليوم الذي احتفى فيه العالم بحرية الصحافة، يعيش السودان واقعًا مريرًا يختلف تمامًا عن روح هذه المناسبة.
الحرب الدائرة ألقت بظلالها القاتمة على العمل الصحفي، وأصبح الصحفيون والصحفيات في السودان عرضة للانتهاكات الجسيمة، من اعتقال تعسفي وملاحقة أمنية إلى بلاغات كيدية، وإساءات وتهديدات متكررة.
الحقيقة أقوى من الرصاص
كما أشارت ناهد إن الصحافة الحرة تُستهدف اليوم لأنها صوت الحق في زمن الطغيان، ورغم كل ما تواجهه من قمع وتضييق، تؤمن أن رسالتهم لا تموت، وأن الحقيقة أقوى من الرصاص.
مؤشرات مقلقة
أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في بلدان تُصنّف ضمن “المنطقة الحمراء” لحرية الصحافة، حيث يُعتبر الوضع فيها “خطيرًا للغاية”.
حيث شهد عام 2024 أرقامًا قياسية في الهجمات ضد الصحفيين، مع مقتل 54 صحفيًا واختطاف 55 آخرين.
خاتمة
يظل اليوم العالمي لحرية الصحافة دعوة متجددة للدفاع عن القلم والكلمة، والتضامن مع الصحفيين حول العالم الذين يواصلون عملهم رغم التحديات والصعاب. فحرية الصحافة هي أساس كل الحريات الأخرى، ولا يمكن تحقيق عدالة أو ديمقراطية بدون إعلام حر ومستقل.
السودان – عمر هنري