هكذا تمضي السلطات السودانية، على خطى نفي المؤكد، في التخبط بين الحديث الصريح الذي ينبش الواقع الماثل هناك دون قصد، والنفي بعد تلامس أبعاد الخطر بين ثنايا تصريحات قادة الجيش، هذا ما ظلت عليه وزارة الخارجية السودانية، وهي البارعة بمسارعة النفي ولكنها تصوم عن انتهاكات الجيش وتخبطات قائده البرهان، إذ أنها لا تدري بإثباتها للمؤكد في النفي المتكرر.
وفي سياق التخبط، نفت الخارجية السودانية، صحة ما أسمته بـ”مزاعم نقلتها بعض الوسائط الإعلامية”، عن أن الحكومة السودانية، تمنع إيصال المساعدة الإنسانية إلى بعض المناطق في السودان.
وفي بيان لها تحصلت عليه (سودانس بوست) جددت وزارة الخارجية التزام حكومتها بإعلان جدة للمبادئ الإنسانية الموقع منذ ١١ مايو ٢٠٢٣، وما أعقبه من التزامات حول الشأن الإنساني، مبينة أن ذلك يمثل الإطار القانوني الملزم لمعالجة الجوانب الإنسانية بما فيها توصيل المساعدات لجميع أنحاء البلاد.
وقال البرهان خلال حديثه في الدبة أن ممارسات “مليشيا آل دقلو الإرهابية المتمثلة في القتل والنهب ومطالبة المنظمات بالدعم والإغاثة، هذا لن يكون إلا بعد وقف الحرب ودحر التمرد من بيوت المواطنين والمؤسسات والمدن التي قاموا بنهبها واحتلالها في نيالا والجنينة ومدني والخرطوم وإرجاع المنهوبات التي قاموا بسرقتها “.
لم تشير الخارجية إلى حديث البرهان الذي مضى إلى كشف واقع من ممارسات الجيش في مناطق سيطرته، أو تغافلت عنه، فتسارعت إلى وصف ما تناقلته وسائل إعلام بـ”مزاعم” ولم تتشجع بسميتها، وهو ما يعد تغافل ينصب في تأكيد ما تناولته الوسائط الإعلامية بأن الحكومة تعيق إيصال المساعدات.
هذا وقالت الخارجية أن سياسة الدولة في هذا الخصوص هي تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق وجميع المواطنين دون أي عوائق وبلا استثناء، مشيرة إلى مبادرة الحكومة السودانية منذ الأسابيع الأولى للأزمة بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للمساعدات الإنسانية للسودان.
وانعقد المؤتمر في جنيف في يونيو ٢٠٢٣ بمشاركة دولية واسعة، كما بادرت أيضا بالإعداد للاجتماع الدولي رفيع المستوى بنيويورك في أكتوبر ٢٠٢٣، لمتابعة تنفيذ موقف التعهدات التي خرج بها مؤتمر المساعدات الإنسانية، جنيف يونيو ٢٠٢٣.
وأضاف البيان “بالمقابل فإن المليشيا الإرهابية لم تكتف فقط بالتنصل من التزاماتها عبر منبر جدة بشأن المسائل الإنسانية، واستغلت الهدن الإنسانية التي تم التوصل إليها لاحتلال المزيد من المرافق الإنسانية والخدمية الضرورية مثل المستشفيات ومستودعات الغذاء ومحطات المياه والكهرباء، والمزارع ومصانع الأغذية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
فضلا عن مهاجمة قوافل المساعدات الإنسانية، ونهب مستودعات برنامج الغذاء العالمي بالجزيرة في ديسمبر ٢٠٢٣، بالاستيلاء على أغذية تكفي حوالي مليون ونصف من الذين يحتاجون للمساعدات لمدة شهر حسب تقديرات البرنامج.

وقال البيان إن ما وصفها بالمليشيا ظلت تعيق حركة و وصول المساعدات إلى العديد من المناطق و المحتاجين في البلاد، وتعطيل حصاد وزراعة المحاصيل الغذائية في ولاية الجزيرة، وترويعها للمدنيين، خاصة المزارعين.
وأشار البيان إلى نهب قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة للآليات الزراعية ووسائل النقل، إلى جانب تعطيلها لشبكات الاتصال البلاد وصفته بالعائق للعمليات الإنسانية.
وظلت الكثير من المصادر الموثوقة تؤكد بحياد تام ممارسات قوات الدعم السريع والجيش في الانتهاكات المستمرة التي تقوم بها الأطراف في مناطق سيطرتها، حيث أن الجيش يعيق إيصال المساعدات الإنسانية للسكان المتأثرين بالحرب في مناطق سيطرته، مثلما يفعل الدعم السريع أيضًا، إذ تمضي الأخيرة في تقديم المساعدات للمواطنين بنفسها إن كان منهوبًا أو عبر تسهيل لبعض المنظمات.
وتتكرر الاتهامات المتبادلة من قبل طرفي النزاع بأن الطرف الآخر يعيق توصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة، ويمارس كل طرف ذلك السلوك المخالف لحقوق الإنسان دون الاكتراث بمعاناة السكان في ظل استمرار القتال خاصة في مدن العاصمة الخرطوم وبعض مناطق ولاية الجزيرة.